لمن لم يحض – أو يتفرغ – لقراءة أو سماع الحاج عمران فليسجل أن هذا المغربي اليهودي (من أصول أمازيغية و فكر أممي) قد تلفظ الفرنسية بمغربيته العبرية و العربية ،محصنا رؤياه بالحس الانساني ولسانه بجمال الكلام الشاعري و حكيه بنبضات القلب الصادقة منذ شبابه الذي نهر خلاله بهدوء في وجه المستعمر أو جبروت الأوفقريين.
إنه الكاتب الذي تحدث الوطن من خلاله دون ميل إلى سلوك التجوع أو الغرور أو الانتهازية؛ إنه الحاج – كما لقبه رفاقه كتاب المغرب – الذي كان مقصده هو القيم النبيلة. إن مثال ودرس هذا الحكيم المتواضع يندرنا بأن التباث و الايمان بالفضيلة يعوض بكثير الغضب و الصراخ أمام الظلم و العدوان ، ليظل الجسد طاهرا و متحررا من هلاوس الثأر و الحقد و العنصرية، ولذا فإننا لن ننسى أنه كان يقول بدون "زيك زاك" – وهو المثال و الضحية بدون تخوف – "لا للصهيونية و لما فعلته باليهود و المسلمين و المسيحيين" وجعل من قضية فلسطين قضية كل معتز بالعدالة و الحرية ، مع عصيان تام لكل الأوساط و المنابر التي تهدد بالمنع من الشهرة وضياع الوقت في كوكتيلات المغفلين...
إدموند عمران المالح فارقنا وهو يدعونا في آخر أيامه أن لا نفارق قيم العدالة و الاخوة و الجمال و التسامح و هي الوصية التي جعلت تجمعا في مقبرة اليهود بالصويرة – مدينة عشقه بعد آسفي موطن ولادته – يجعل من لحظة دفنه زمن ميلاد آخر لمعنوية الوجودالعاقل والكريم و الرحيم ، حيث أجمع رفاقه و أصدقاؤه (اليهود و المسلمون المغاربة والأجانب، الرسميون و الجمعويون و الحقوقيون و الأدباء) على أن العرق أو الدين أو الانتماء لا معنى له إلا بما يتركه من بصمات الجد والكرامة والمحبة.
هاهو ذا إنشاد ثبات المجرى عند انسان لم تفقد حركيته ثبات مبدأ الحرية و قيمة الحب في المسار الوجودي ، حاملا الوطن في قلب رؤوف و مختزلا في يوم وموقف واحد صدق ما تحكي عنه آلاف السنين؛إنه التجرد من وهم صورة "الكاتب" أو "الفنان" الذي يسجنه النوم أو حلم اليقظة بداخل قصره الافتؤاضي أو رداءة غروره ؛ إنه شرح عميق للتعاطي للكلام عند عمران الذي عمر في صدق التأمل بداية قبل نسج الكتابة كما ينسج التراث بداخل صبر ومعاناة الأجيال ، من أجل تذوق الجمال بعمق و لو لحظة واحدة في هذه الدنيا.
هو الأمر بل هي اللحظة التي توقف فيها جميع رفاقه و إخوته ومححبيه الذين انفعلوا – عن قرب أو بعد – لأثر بصماته ومقام صوته و رسومات كلامه العميق و الحنين و نظرات من يقف إجلالا لفنان أو جامعي إو حمدوشي أو بائع نعناع بنفس التقدير والانصات، تاركا وراءه كل وهم زمني عن مظاهر هذا العالم الوهمي ، و هو يشير في ولوج جسده لقبره أمام الجميع – في النهاية – إلى معنى ما كان يردده أحد الهنود الحمر : "إننا لا نمتلك الأرض ، بل الأرض هي التي تمتلكنا" . إنه التعليل الرمزي لانسان تميز عن الانفصاميين الذين يتقنون خطاب الكلام النظري المثالي في نفس الوقت الذي يمنهجون فيه "بزنستهم" في منتوجات أهل الثقافة والفن ، إنه إنشاد روحاني لانسان آمن أولا وأخيرا بالصدق في الرؤيا و الابتسامة و المحبة ...
أحمد حروز